الثلاثاء، 31 أكتوبر 2017

إمكان النبوة وضرورتها - بشكلٍ مختصر -

  • الكاتب
    المُهَنَّد
  • تاريخ النشر
    أكتوبر 31, 2017
  • الأقسام

الخالق لهذا الكون الفسيح المتقَن ، لا يعجزه جعل الإنسان نبياً بل ( جعل الإنسانِ نبياً ليس بأعظم من جعل العلقة إنساناً حيّاً عالماً ناطقاً سميعاً بصيراً متكلماً قد علم أنواع المعارف ) ¹
وحياة الإنسان وعلمه وحكمته دالةٌ على اتّصاف خالقه بالحياة والعلم والحكمة ، لأنها صفاتُ كمالٍ ، وفاقد الكمال لا يعطيه ؛ هذا من جهة ومن أخرى : أن انتظام الكون وإتقانه يدلُ دلالةً قطعية على حكمة صانعه، والحكيمُ منزهٌ عن الخلقِ عبثاً .
وتخصيص الإنسان بالعلم والحكمة دون سائر المخلوقات ، وتخصيص كل مخلوقٍ بهيئة تناسب الغاية التي خُلق من أجلها ، يدل على إرادته وعلمه بالمآلات ، ما يعني أن الوسيلة التي خاطب بها خلقه كانت وفق إرادةٍ وحكمةٍ وعلم ، ولا يصح الاعتراض عليها من قِبل الموهوب الناقص ، إذ عُلِمَ عقلاً أن الواهب أكمل .
ويتأكد إمكان النبوة بالنظر إلى حاجة الإنسان إليها ، وكلما كان الإنسان إلى شيءٍ أحوج يسَّر اللهُ الوصولَ إليه يقول الإمامُ ابن تيمية – رحمه الله – :
( الناسُ كلّما قَوِيَتْ حاجتُهُم إلى معرفة شيءٍ يسّر الله أسبابَه ، كما يُيسِّر ماكانت حاجتُهُم إليه في أبدانهم أشد ، فلما كانت حاجتُهُم إلى النفَس والهواء أعظمُ من حاجتِهِم إلى الماء كان مبذولاً لكل أحدٍ في كل وقت ، ولما كانت حاجتُهُم إلى الماء أكثرُ من حاجتهم إلى القُوت كان وجودُ الماء أكثر ، وكذلك لمّا كانت حاجتُهُم إلى معرفة الخالق أعظمُ كانت آياتُه ودلائلُ ربوبيّتِه وقدرتِه وعلمِه ومشيئتِه وحكمتِه أعظمُ من غيرها ، ولمّا كانت حاجتُهُم إلى معرفةِ صدقِ الرسلِ بعد ذلك أعظمُ من حاجتِهِم إلى غيرِ ذلك أقام الله سبحانه وتعالى من دلائلِ صدقِهِم ، وشواهد نبوّتِهِم وحُسنِ حالِ مَن اتّبعَهُم ، وسعادتِه ونجاتِه ، وبيانِ مايحصلُ له من العلم النافع ، والعملِ الصالحِ ، وقُبْحِ حال مَن خالفهم ، وشقاوتِه وجهلِه وظلمِه مايظهرُ لمَن تدبَّر ذلك ) ²
كذلك الإنسانُ بحاجةٍ إلى معرفة الهواء النقيِّ من السام ، والطعامِ الصالحِ من الفاسد ، فوهبَه الله الحواسَّ الخمس ، ليميِّزَ بين المنافعِ والأضرار ، فمن وفَّر له مايحتاجُ إليه في حياته من باب أولى أن يوفِّر ما كان إليه أحوج ، ألا وهو معرفةُ خالقِهِ والغايةُ والمآلُ ، فإن كانَ غايةُ مراد الحيوانات الحصولُ على الطعام والشراب ، فالإنسان غايةُ مرادِه معرفةُ خالقِه وغايةُ وجودِه ، وهذا هو الفرقُ الجوهريُّ بين الإنسانِ والحيوان !

____________
1- ابن تيمية – مجموع الفتاوى ( 16/264 )
2- ابن تيمية – الجواب الصحيح ( 3/273 )



# نشرته في موقع المحاور :
www.almohawer.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق