الأحد، 8 سبتمبر 2019

مشكلتهم التفريق بين المتماثلات !



إذا تكلّم أحدٌ في الفيزياء أو الطب قالوا : احترم العلم .
أما إذا تكلّم عن الدين تركوه !
وما ذاك - واللهِ - إلا جهلٌ منهم بحقيقة العلم؛ لأن من يخوض في موضوع الدين هو في الحقيقة يُخبر عن الله تعالى ، كما أنّ المتكلم في موضوع الفيزياء يُخبر عن مخلوقاته
وكلٌ منهما إن لم يكن كلامه مطابقاً للواقع كان كاذباً ، والإخبار عن الله تعالى - كأن تقول : أحل هذا وحرّم هذا ، وأثبت هذا، ونفى هذا ، وسيعاقب من فعل كذا ، ولن يعاقب من فعل كذا - لا يُدرَك على وجه التفصيل إلا بالوحي ، والوحي خطاب لخلقه يُفهم كما أراد منهم أن يفهموه ، لا يُحْرَف لمعنى آخر ثم يُقال : [هذا ما أراد !] ؛ لأن هذا من الكذب على الله !
فالمقصود أنك حين تخبر عن الله
فإما أن يكون خبرك مطابق للواقع
وإما مخالف له ،
الأول علم وصدق ، والثاني زيف وكذب .
وكذا لو تكلمت في الفيزياء أو الطب أو غيرها من العلوم التي موضوعها مخلوق ، فإن كان خبرك مطابقاً فصدق وإلا فكذب ، ومن التناقض أن تقبّح من يتكلم في الفيزياء أو غيرها دون علمٍ لأنه لا يعرف الواقع ليُخبر عنه ، ثم تستميت في سلب الحكم عمن يتكلّم عن الخالق بلا استناد إلى وحيه وضوابط فهمه .
فالحاصل أن المتكلم في موضوع الدين
إما أنه يستند على الوحي
وإما لا .
فإن كان لا يستند عليه فلا فرق بينه وبين ذوي الديانات الوضعية ؛ لأن الكل في الحقيقة ينزلق من الإنسان لا من الله !
وإن استند عليه :
فإما أن يكون حريصاً على تفهّمه كما أراد الله
وإما لا.
الثاني لا فرق بينه وبين المحرّفين ، والأول إن كان صادقاً سيبذل الجهد ، وحينئذ لن يمنعه أحد !

الأحد، 21 يوليو 2019

إلماحة حول وجود الخالق تبارك وتعالى .




ما هي أدلة وجود الخالق تبارك وتعالى ؟ 
  اعلم أن أدلة العقل كثيرة جداً منها : دليل الإيجاد ، ودليل الإمكان ، ودليل الإحكام والإتقان ، ودليل العناية ...... إلخ 

وسأقتصر هنا على اثنين منها : 
الأول / دليل الإيجاد ، وبيانه أن الموجودات تنقسم إلى قسمين من حيث التقسيم العقلي الحاصر: 

1) موجودات ليس لها بداية. 
2) موجودات لها بداية كالإنسان. 


الموجودات التي لها بداية ( أي وُجدت بعد عدم  ) لها ثلاث احتمالات لا تخرج عنها : -

الاحتمال الأول : أنها أوجدت نفسها ، وهذا باطل ؛ لأنه لا فرق بين القائل به ومن يقول : أمي أوجدت نفسها !!

الاحتمال الثاني : وُجدت من غير سبب ، وهذا أيضاً باطل؛ لأن الأصل في الموجود الحادث هو العدم ، والعقل يقتضي بقاء الاشياء الحادثة على أصلها حتى ينقلها سببٌ ما من الأصل إلى نقيضه . 
ومثال ذلك : خرج زيدٌ فوجد سيارته قد اعوّج هيكلها الخارجي من الخلف، سيعلم مباشرة أنّ  هناك سبب تسبب في هذا . لماذا ؟ لأنه يعلم أن الأصل في السيارة أن يبقى هيكلها سليماً ، وهو باقٍ كذلك حتى يوجد سبب ما ، وإلا كان هيكلها على حاله باقياً – أي : لم يعوّج -  .

مثال آخر :  خرج عمر من المدرسة إلى البيت ، بعد وصوله وَضَعَ كتاب الرياضيات مثلاً على الرف أو الطاولة ثم نام – وهو يعلم يقيناً أنّ الأصل أن يبقى كتابه كذلك - فلما استيقظ  وجده ممزقاً ومرمياً على الأرض  ، هنا لن يخالجه شك بأن هناك من فعل ذلك ؛ لأن هذا شيء طرأ على الأصل فغيره .

فكل شيء وُجِدَ بعد عدمٍ لا بد أن يكون لوجوده سبب ؛ لأنه مفتقر في ذاته إلى مَن يُوجده ، والملحد قد يدّعي خلاف هذا الاصل ، لكنّه في الواقع يكفر بادّعائه ؛ فلو أن محفظته أو منزله سُرق  ، ثم ذهب إلى قسم الشرطة يطلب منهم البحث عن السارق ، فعامله الشرطي على ضوء مقولته – أعني : جواز حدوث شيء من دون سبب – كأن يقول : ما حصل لمحفظتك أو منزلك هو شيءٌ حادث لم يكن ثم كان ، وأنت تدّعي جواز حدوث الشيء من غير سبب ، ولسنا واللهِ نُشغل أنفسنا عن قضايا أُخر بالبحث عن سبب ما جرى لك ، مع تجويزنا حصوله من دون سبب ، لوجدت الملحد يكفر بمقولته تلك ، ويُكبّر عليها أربعاً !  


الاحتمال الثالث :  لها سبب مستقل عنها وهذا هو الصحيح ، وهذا السبب لا بد وأن يكون متصفاً بالقدرة لكي يوجدها ؛ إذ القدرة معناها : صفة بها يتمكن الفاعل من الإيجاد ، ولولاها كان عاجزاً عن الإيجاد ، وبالتالي لا يوجد شيء وهذا مخالف للواقع ؛ لأننا بالفعل موجودون !

وهذا السبب لا بد وأن يكون وجوده ليس له بداية ؛ لأنه لو كان له بداية لاحتاج إلى سبب ، والسبب إن كان كذلك احتاج إلى آخر وهكذا إلى غير نهاية وبالتالي لن يوجد شيء ، ولكي يتضح المقال إليك المثال : 
جنديٌ موجهٌ بندقيته نحو قاتلٍ حُكِمَ عليه بالإعدام ، لا يُطلق النار حتى يعطيه الإذنَ مَن هو أعلى منه رتبةً ،لماذا ؟  لأنه جنديٌ مأمور ليس له أن يفعل شيء دون إذن القائد .
مَن هو أعلى منه رتبةً إما أن يكون كذلك -أعني مأمور يحتاج إذن من هو أعلى منه – وإما أنه مستغنٍ عن إذنِ غيره  ، فالأول يقتضي ألا يُطلق الرصاصة إلا بعد أن يأذن له ، وهكذا ... فلو لم يكن هناك من هو مستغنٍ عن غيره في إعطاء الأوامر - تقف عنده السلسلة - لما خرجت الرصاصة  ، لكن خروجها دل على وجود ذلك الذي لا يحتاج إلى إذن غيره !

نشبِّه خروج الرصاصةِ بوجود الموجود الذي له بداية كالإنسان مثلاً ،  فلو كانتِ الأسباب لم تتوقف عند سبب أول لا يحتاج إلى غيره ، لم يكن الإنسان موجوداً يقرأ هذه الكلمات  !   


لزيادة فهم هذه النقطة تابع هذا المقطع : 


الدليل الثاني / دليل الإحكام والإتقان .
عرفنا مما سبق أن مجرد حدوث الشيء هو دليل على وجود السبب ، ولا يشترط رؤيتنا للسبب لنحكم بوجوده ،  فنحن مثلاً : إذا سُرقت أشياؤنا نعلم بأن هناك سارق ولو لم نره ، لا أحد عاقل يقول : بما أنك لم تره إذاً لا يوجد سارق !! 
أقول : إذا كان مجرد وجود الشيء بعد عدم - بغض النظر عن صفته وشكله وهيئته – يستدعي وجود سبب ، فإن ذلك الموجود الحادث إذا كان مركّباً من أجزاء تتظافر كلها في تحقيق غاية محددة ،  كان ذلك دليلا آخر على وجود السبب، وليس فقط وجوده بل اتصافه بالعلم والحكمة والقدرة والإرادة !
مثال ذلك : كِلية الإنسان ، مكونة من أجزاء على هيئة معينة لولاها انتفت وظيفتها أي : لم تنقِ الدم من نفايات الجسم الذائبة !

اخترع البشر جهازاً يحاكي عمل الكلى ، ومكونات هذا الجهاز هي مواد موجودة على الأرض . فهل من الممكن  أن يوجد هذا الجهاز بلا سبب عليم حكيم ! بالطبع لا حتى لو أعطينا تلك المواد لتجتمع بالصدفة عمر الكون كلّه !

وإذا حُكم باستحالة حدوث جهاز غسيل الكلى  – بغض النظر عن هيئته ؛ إذ المهم تركّبه وتأديته لغاية محددة لا تكون إلا بتظافر أجزائه –  فإن حدوث الكِلية البشرية أشد استحالةً ، ومن يجيز حدوثهما بلا سبب هو أحوج إلى الصحة العقلية من النقاش والحوار ، أما من يفرّق بينهما ويحكم باستحالة حدوث الجهاز بلا سبب دون الكِلية فقد وقع في التناقض ؛ لأنه فرّق بين متماثلين !

وبيان ذلك أن يُقال : الموجودات إما أزلية أو حادثة ، والحادثة إما مصنوعاتٌ بشرية - وهي التي حصلت بتدخّلٍ بشري واعٍ -  وإما موجودات طبيعية ويدخل فيها الإنسان ، وإذا كانت الأولى – أعني مصنوعات البشر - تستلزم بالضرورة وجود سبب ؛ لأنها – مع حدوثها - مركبة من أجزاء ، تتظافر لتحقيق غايةٍ معينة ، فإن هذا متحقق في موجودات الطبيعة أيضاً ، ويلزم بناء عليه إما تعميم الحكم أو سلبه للسلامة من التناقض . 

بل لو أنصفنا لوجدنا أن موجودات الطبيعة أشد تعقيداً وإتقاناً وترابطاً ، ويكفيك في إثبات هذا مثالنا السابق – أعني الكِلية البشرية ، وجهاز غسيل الكِلى -  ؛ إذ الكلية أشد إتقاناً ، وأكثر كفاءة ، وأصغر حجماً ، وأفضل عملاً ، ومع هذا كله ظهرت في أيام معدودة دون تدخّلٍ من بشرٍ البتة !

لاحظ أنني لم أتطرق لمجموع جسد الإنسان بكامله ، والذي هو والله كثيراً ما يدهشني ! 
كيف ينشأ ويظهر إلى الوجود في أيامٍ قلائل بعظم ولحم ودم ، حياً سميعاً بصيراً ؟!
هذا المشهد على كثرتِه لم يحصل بيني وبينه إلْفٌ بعد  ! وعساه ما يحصل !

تم باختصار شديد جداً . 

السبت، 22 يونيو 2019

عدم إدراك كيفية الشيء لا يبرر إنكار وجوده !



تخيل معي أنّك خرجت من غرفتك وهي على أعلى ما يمكن من الفوضى، وأغلقت الباب جيداً بعد خروجك، بحيث تعلمُ يقيناً أنه لن يستطيع أحد الدخول بعدك، بعد ساعةٍ عُدت إليها، فوجدتَ الغرفة قد رُتبت على أحسن ما يكون  .. رجعتَ إلى الوراء مندهشاً ، ثم توجهتَ إلى إخوتك لتحكي لهم ما رأيت، فقال لك أحدهم : " إذا لم يفعل هذا أحد من البشر ، فهو بلا سبب ! " وقال الآخر : " بل لا بد له من سبب، وهذا السبب إما أن يكون من البشر، ودخوله للغرفة ثم خروجه منها كان [بخرق للقوانين الفيزيائية] ، وإما أن يكون من [غير البشر] ممن لديه قدرات على فعل هذا"
أيهم أكثر منطقية ؟
بلا شك .. صاحب القول الثاني هو الأكثر منطقية، ومن هذا المثال تعلم أن التوقف في إثبات وجود الخالق تبارك وتعالى أو إنكاره ليس ناشئاً من حكم العقل بــ [ إمكان وجود الأشياء وإتقانها من غير سبب]، بل هي عند غالب الملحدين - إن لم يكن كلهم - ناشئة عن خلطهم بين التعقل والتصور ، فهم لما لم يكن بمقدورهم تصور (حقيقة) تلك الذات المغايرة لذوات المخلوقات، أطلقوا رصاصة الرحمة على العقلِ وفقدوا - بفقده - تعقّل وجودها !

فهناك إذن فرق بين إدراك [معنى] الذات الأزلية المتصفة بالكمال المطلق ثم [ الحكم] بوجودها اعتماداً على مقدمات عقلية وحسية معاً، وبين إدراك [ حقيقتها ] في الواقع؛ ففي المثال السابق يحكم العقل بضرورة (وجود) سببٍ متصفٍ بصفات لولاها لم يكن بمقدوره أن يحدث التغير الحاصل في الغرفة - وبالتالي لن يحصل التغير - مع أننا نجهل تمام الجهل (كيفية) تلك الذات ، وكيفية مباشرتها لذلك الفعل  ، ومن نازع في ضرورة السبب لأنه يجهل كيفية كل ذلك حكمنا بمخالفته لسبيل العقلاء؛ لأن الحكم بوجودها لا يتوقف على إدراك كنهها وكيفيتها !
وأذكر أنني حين أوردت المثال على أحدهم قال : ( أنت تفترض افتراضاً غير معقول ثم تحاكمني إليه ! )
غير معقول !! إذن أنا وأنت نتفق على ضرورة وجود سبب كافٍ يُفسر وجود الحادث، وما قولك هذا إلا حكم ضمني باستحالة حصول - أو حدوث - الترتيب المفترض للغرفة بلا سبب يعلم ما يفعل، أما وقد حصل في الطبيعة؟! فلِمَ لا تقول هذا فيما نشاهده من ترتيب وإحكام في الذرة وحتى المجرة ؟!





الاثنين، 17 يونيو 2019

خاطرة حول ضرورة إدراك الواقع للحكم على أي قول يحتمل الصدق أو الكذب لذاته


إن من أهم ما يقوم عليه المجتمع البشري وجود التواصل بين أفراده ، وهذا التواصل يكون بلغة تُسهّل عليهم نقلَ معارفهم بينهم البين، وإلى المجتمعات الأخرى ؛ فاللغات إذن وسيلة لإيصال ما يقوم في ذهن الإنسان من معانٍ ، وكل الجمل اللغوية التي نستعملها يمكن أن تنقسم إلى جمل تقبل أن نصفها بالصدق أو الكذب لذاتها [ وهذه تُسمّى : الجُمَل الخبرية ]  ، وجُمَلٍ لا تقبل ذلك [ واسمها الجُمَل الإنشائية ] ، فخذ مثلاً هذه الجُمَل وانظر فيما يقبل منها وصف الصدق أو الكذب  :
أ‌) مكتشف قانون الجاذبية هو نيوتن .
ب‌) ابن تيمية وُلد عام ٦٦١ هـ  .
ت‌) كم الساعة ؟
ث‌) يا ليت الشباب يعود يوماً !
ج‌) ذاكر دروسك .
ح‌) لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد .
ستجد أن الجملة الأولى والثانية جُملتان خبريتان – أي يصح وصفهما بالصدق أو الكذب لذاتهما – بينما الجُمَل الأخرى جُمَل إنشائية لا توصف بالصدق أو الكذب .
والجُمل الخبرية احتملت الصدق أو الكذب لكونها حكاية عن الواقع، وتلك الحكاية إما أن تكون مطابقة للواقع فتكون صدقاً، وإما أن تكون مخالفة له فتكون كذباً .



فالحكم إذن على صدق المتكلّم أو كذبه متوقف على العلم بالواقع ، ومعنى العلم بالواقع أي أنّك تدرك ثبوت الشيء أو انتفاءه ، فمثلاً في الجمل السابقة لو كان ابن تيمية مولود في عام ٦٦١ هـ بالفعل كانت الجملة صادقة، أما لو كانت ولادته قبل أو بعد كانت الجملة كاذبة؛ لأنها غير مطابقة، وكذا لو لم يكن مكتشف قانون الجاذبية هو نيوتن كانت الجملة كاذبة ، فالحكم بصدق أو كذب جملة خبرية ما متوقف على مطابقتها للواقع من عدمه، وإدراك التطابق من عدمه موقوف على إدراك الواقع ، ولولا معرفة الواقع لم يكن بالمقدور الحكم على أي قول بالصدق أو الكذب.

وأي شخصٍ يريد التحاور معك ومناقشتك فإنه يعترف اعترافاً ضمنياً بأمرين اثنين لا معنى لأي حديث معه إن لم يسلّم بها  :
الأمر الأول / وجود العالم الخارجي المستقل عن أذهاننا ، بمعنى : أن هناك أشياء موجودة مستقلة عن إدراكنا (علمنا) كالشجر والحجر  ...إلخ .
الأمر الثاني / كثير من هذه الأشياء بمقدورنا أن نتوصل إلى إدراكها إدراكاً مطابقا لما هي عليه في الواقع .

ووسائل إدراك الواقع (العالم الخارجي) يمكن إجمالها في ثلاثة :
الطريق الأول: الحس، فحين ترى الشمس بازغة تدرك أنها بالفعل كذلك .
الطريق الثاني : العقل ، والعقل طريقٌ لإدراك ما لا تراه مباشرة، وذلك من خلال مشاهدة آثاره، كأن تعلم وجود الطارق بمجرد صوت الطَرْق .
الطريق الثالث: الخبر ، كعامةِ الدراسات التي يجريها نخبة من العلماء في المختبر لاستكشاف لقاح يقي من مرضٍ ما  فغالب - إن لم يكن كل – من يتم إعطاؤه هذا اللقاح يستند في كون هذا اللقاح واقياً من هذا المرض إلى خبر هؤلاء النخبة، وغاية ما يفعله المستفيدون من هذا اللقاح حين يتم تشكيكهم بفاعليته هو الاحتكام إلى خبر الأطباء لا الدخول في غِمار المختبرات !

واعلم - وفقك الله – أنه يستحيل وجود من لا يعتمد على هذه الطرق الثلاثة في تكوين معارفه ، ولو ادّعى خلافَ هذا كذّبه واقعه – شاء أم أبى -  !!