الأحد، 21 يوليو 2019

إلماحة حول وجود الخالق تبارك وتعالى .

  • الكاتب
    المُهَنَّد
  • تاريخ النشر
    يوليو 21, 2019
  • الأقسام



ما هي أدلة وجود الخالق تبارك وتعالى ؟ 
  اعلم أن أدلة العقل كثيرة جداً منها : دليل الإيجاد ، ودليل الإمكان ، ودليل الإحكام والإتقان ، ودليل العناية ...... إلخ 

وسأقتصر هنا على اثنين منها : 
الأول / دليل الإيجاد ، وبيانه أن الموجودات تنقسم إلى قسمين من حيث التقسيم العقلي الحاصر: 

1) موجودات ليس لها بداية. 
2) موجودات لها بداية كالإنسان. 


الموجودات التي لها بداية ( أي وُجدت بعد عدم  ) لها ثلاث احتمالات لا تخرج عنها : -

الاحتمال الأول : أنها أوجدت نفسها ، وهذا باطل ؛ لأنه لا فرق بين القائل به ومن يقول : أمي أوجدت نفسها !!

الاحتمال الثاني : وُجدت من غير سبب ، وهذا أيضاً باطل؛ لأن الأصل في الموجود الحادث هو العدم ، والعقل يقتضي بقاء الاشياء الحادثة على أصلها حتى ينقلها سببٌ ما من الأصل إلى نقيضه . 
ومثال ذلك : خرج زيدٌ فوجد سيارته قد اعوّج هيكلها الخارجي من الخلف، سيعلم مباشرة أنّ  هناك سبب تسبب في هذا . لماذا ؟ لأنه يعلم أن الأصل في السيارة أن يبقى هيكلها سليماً ، وهو باقٍ كذلك حتى يوجد سبب ما ، وإلا كان هيكلها على حاله باقياً – أي : لم يعوّج -  .

مثال آخر :  خرج عمر من المدرسة إلى البيت ، بعد وصوله وَضَعَ كتاب الرياضيات مثلاً على الرف أو الطاولة ثم نام – وهو يعلم يقيناً أنّ الأصل أن يبقى كتابه كذلك - فلما استيقظ  وجده ممزقاً ومرمياً على الأرض  ، هنا لن يخالجه شك بأن هناك من فعل ذلك ؛ لأن هذا شيء طرأ على الأصل فغيره .

فكل شيء وُجِدَ بعد عدمٍ لا بد أن يكون لوجوده سبب ؛ لأنه مفتقر في ذاته إلى مَن يُوجده ، والملحد قد يدّعي خلاف هذا الاصل ، لكنّه في الواقع يكفر بادّعائه ؛ فلو أن محفظته أو منزله سُرق  ، ثم ذهب إلى قسم الشرطة يطلب منهم البحث عن السارق ، فعامله الشرطي على ضوء مقولته – أعني : جواز حدوث شيء من دون سبب – كأن يقول : ما حصل لمحفظتك أو منزلك هو شيءٌ حادث لم يكن ثم كان ، وأنت تدّعي جواز حدوث الشيء من غير سبب ، ولسنا واللهِ نُشغل أنفسنا عن قضايا أُخر بالبحث عن سبب ما جرى لك ، مع تجويزنا حصوله من دون سبب ، لوجدت الملحد يكفر بمقولته تلك ، ويُكبّر عليها أربعاً !  


الاحتمال الثالث :  لها سبب مستقل عنها وهذا هو الصحيح ، وهذا السبب لا بد وأن يكون متصفاً بالقدرة لكي يوجدها ؛ إذ القدرة معناها : صفة بها يتمكن الفاعل من الإيجاد ، ولولاها كان عاجزاً عن الإيجاد ، وبالتالي لا يوجد شيء وهذا مخالف للواقع ؛ لأننا بالفعل موجودون !

وهذا السبب لا بد وأن يكون وجوده ليس له بداية ؛ لأنه لو كان له بداية لاحتاج إلى سبب ، والسبب إن كان كذلك احتاج إلى آخر وهكذا إلى غير نهاية وبالتالي لن يوجد شيء ، ولكي يتضح المقال إليك المثال : 
جنديٌ موجهٌ بندقيته نحو قاتلٍ حُكِمَ عليه بالإعدام ، لا يُطلق النار حتى يعطيه الإذنَ مَن هو أعلى منه رتبةً ،لماذا ؟  لأنه جنديٌ مأمور ليس له أن يفعل شيء دون إذن القائد .
مَن هو أعلى منه رتبةً إما أن يكون كذلك -أعني مأمور يحتاج إذن من هو أعلى منه – وإما أنه مستغنٍ عن إذنِ غيره  ، فالأول يقتضي ألا يُطلق الرصاصة إلا بعد أن يأذن له ، وهكذا ... فلو لم يكن هناك من هو مستغنٍ عن غيره في إعطاء الأوامر - تقف عنده السلسلة - لما خرجت الرصاصة  ، لكن خروجها دل على وجود ذلك الذي لا يحتاج إلى إذن غيره !

نشبِّه خروج الرصاصةِ بوجود الموجود الذي له بداية كالإنسان مثلاً ،  فلو كانتِ الأسباب لم تتوقف عند سبب أول لا يحتاج إلى غيره ، لم يكن الإنسان موجوداً يقرأ هذه الكلمات  !   


لزيادة فهم هذه النقطة تابع هذا المقطع : 


الدليل الثاني / دليل الإحكام والإتقان .
عرفنا مما سبق أن مجرد حدوث الشيء هو دليل على وجود السبب ، ولا يشترط رؤيتنا للسبب لنحكم بوجوده ،  فنحن مثلاً : إذا سُرقت أشياؤنا نعلم بأن هناك سارق ولو لم نره ، لا أحد عاقل يقول : بما أنك لم تره إذاً لا يوجد سارق !! 
أقول : إذا كان مجرد وجود الشيء بعد عدم - بغض النظر عن صفته وشكله وهيئته – يستدعي وجود سبب ، فإن ذلك الموجود الحادث إذا كان مركّباً من أجزاء تتظافر كلها في تحقيق غاية محددة ،  كان ذلك دليلا آخر على وجود السبب، وليس فقط وجوده بل اتصافه بالعلم والحكمة والقدرة والإرادة !
مثال ذلك : كِلية الإنسان ، مكونة من أجزاء على هيئة معينة لولاها انتفت وظيفتها أي : لم تنقِ الدم من نفايات الجسم الذائبة !

اخترع البشر جهازاً يحاكي عمل الكلى ، ومكونات هذا الجهاز هي مواد موجودة على الأرض . فهل من الممكن  أن يوجد هذا الجهاز بلا سبب عليم حكيم ! بالطبع لا حتى لو أعطينا تلك المواد لتجتمع بالصدفة عمر الكون كلّه !

وإذا حُكم باستحالة حدوث جهاز غسيل الكلى  – بغض النظر عن هيئته ؛ إذ المهم تركّبه وتأديته لغاية محددة لا تكون إلا بتظافر أجزائه –  فإن حدوث الكِلية البشرية أشد استحالةً ، ومن يجيز حدوثهما بلا سبب هو أحوج إلى الصحة العقلية من النقاش والحوار ، أما من يفرّق بينهما ويحكم باستحالة حدوث الجهاز بلا سبب دون الكِلية فقد وقع في التناقض ؛ لأنه فرّق بين متماثلين !

وبيان ذلك أن يُقال : الموجودات إما أزلية أو حادثة ، والحادثة إما مصنوعاتٌ بشرية - وهي التي حصلت بتدخّلٍ بشري واعٍ -  وإما موجودات طبيعية ويدخل فيها الإنسان ، وإذا كانت الأولى – أعني مصنوعات البشر - تستلزم بالضرورة وجود سبب ؛ لأنها – مع حدوثها - مركبة من أجزاء ، تتظافر لتحقيق غايةٍ معينة ، فإن هذا متحقق في موجودات الطبيعة أيضاً ، ويلزم بناء عليه إما تعميم الحكم أو سلبه للسلامة من التناقض . 

بل لو أنصفنا لوجدنا أن موجودات الطبيعة أشد تعقيداً وإتقاناً وترابطاً ، ويكفيك في إثبات هذا مثالنا السابق – أعني الكِلية البشرية ، وجهاز غسيل الكِلى -  ؛ إذ الكلية أشد إتقاناً ، وأكثر كفاءة ، وأصغر حجماً ، وأفضل عملاً ، ومع هذا كله ظهرت في أيام معدودة دون تدخّلٍ من بشرٍ البتة !

لاحظ أنني لم أتطرق لمجموع جسد الإنسان بكامله ، والذي هو والله كثيراً ما يدهشني ! 
كيف ينشأ ويظهر إلى الوجود في أيامٍ قلائل بعظم ولحم ودم ، حياً سميعاً بصيراً ؟!
هذا المشهد على كثرتِه لم يحصل بيني وبينه إلْفٌ بعد  ! وعساه ما يحصل !

تم باختصار شديد جداً . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق