الاثنين، 17 يونيو 2019

خاطرة حول ضرورة إدراك الواقع للحكم على أي قول يحتمل الصدق أو الكذب لذاته

  • الكاتب
    المُهَنَّد
  • تاريخ النشر
    يونيو 17, 2019
  • الأقسام

إن من أهم ما يقوم عليه المجتمع البشري وجود التواصل بين أفراده ، وهذا التواصل يكون بلغة تُسهّل عليهم نقلَ معارفهم بينهم البين، وإلى المجتمعات الأخرى ؛ فاللغات إذن وسيلة لإيصال ما يقوم في ذهن الإنسان من معانٍ ، وكل الجمل اللغوية التي نستعملها يمكن أن تنقسم إلى جمل تقبل أن نصفها بالصدق أو الكذب لذاتها [ وهذه تُسمّى : الجُمَل الخبرية ]  ، وجُمَلٍ لا تقبل ذلك [ واسمها الجُمَل الإنشائية ] ، فخذ مثلاً هذه الجُمَل وانظر فيما يقبل منها وصف الصدق أو الكذب  :
أ‌) مكتشف قانون الجاذبية هو نيوتن .
ب‌) ابن تيمية وُلد عام ٦٦١ هـ  .
ت‌) كم الساعة ؟
ث‌) يا ليت الشباب يعود يوماً !
ج‌) ذاكر دروسك .
ح‌) لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد .
ستجد أن الجملة الأولى والثانية جُملتان خبريتان – أي يصح وصفهما بالصدق أو الكذب لذاتهما – بينما الجُمَل الأخرى جُمَل إنشائية لا توصف بالصدق أو الكذب .
والجُمل الخبرية احتملت الصدق أو الكذب لكونها حكاية عن الواقع، وتلك الحكاية إما أن تكون مطابقة للواقع فتكون صدقاً، وإما أن تكون مخالفة له فتكون كذباً .



فالحكم إذن على صدق المتكلّم أو كذبه متوقف على العلم بالواقع ، ومعنى العلم بالواقع أي أنّك تدرك ثبوت الشيء أو انتفاءه ، فمثلاً في الجمل السابقة لو كان ابن تيمية مولود في عام ٦٦١ هـ بالفعل كانت الجملة صادقة، أما لو كانت ولادته قبل أو بعد كانت الجملة كاذبة؛ لأنها غير مطابقة، وكذا لو لم يكن مكتشف قانون الجاذبية هو نيوتن كانت الجملة كاذبة ، فالحكم بصدق أو كذب جملة خبرية ما متوقف على مطابقتها للواقع من عدمه، وإدراك التطابق من عدمه موقوف على إدراك الواقع ، ولولا معرفة الواقع لم يكن بالمقدور الحكم على أي قول بالصدق أو الكذب.

وأي شخصٍ يريد التحاور معك ومناقشتك فإنه يعترف اعترافاً ضمنياً بأمرين اثنين لا معنى لأي حديث معه إن لم يسلّم بها  :
الأمر الأول / وجود العالم الخارجي المستقل عن أذهاننا ، بمعنى : أن هناك أشياء موجودة مستقلة عن إدراكنا (علمنا) كالشجر والحجر  ...إلخ .
الأمر الثاني / كثير من هذه الأشياء بمقدورنا أن نتوصل إلى إدراكها إدراكاً مطابقا لما هي عليه في الواقع .

ووسائل إدراك الواقع (العالم الخارجي) يمكن إجمالها في ثلاثة :
الطريق الأول: الحس، فحين ترى الشمس بازغة تدرك أنها بالفعل كذلك .
الطريق الثاني : العقل ، والعقل طريقٌ لإدراك ما لا تراه مباشرة، وذلك من خلال مشاهدة آثاره، كأن تعلم وجود الطارق بمجرد صوت الطَرْق .
الطريق الثالث: الخبر ، كعامةِ الدراسات التي يجريها نخبة من العلماء في المختبر لاستكشاف لقاح يقي من مرضٍ ما  فغالب - إن لم يكن كل – من يتم إعطاؤه هذا اللقاح يستند في كون هذا اللقاح واقياً من هذا المرض إلى خبر هؤلاء النخبة، وغاية ما يفعله المستفيدون من هذا اللقاح حين يتم تشكيكهم بفاعليته هو الاحتكام إلى خبر الأطباء لا الدخول في غِمار المختبرات !

واعلم - وفقك الله – أنه يستحيل وجود من لا يعتمد على هذه الطرق الثلاثة في تكوين معارفه ، ولو ادّعى خلافَ هذا كذّبه واقعه – شاء أم أبى -  !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق