الأحد، 9 يونيو 2019

خاطرة حول توحيد الربوبية .

  • الكاتب
    المُهَنَّد
  • تاريخ النشر
    يونيو 09, 2019
  • الأقسام



من يفرض وجود خالقين يقع في تمثيل الخالق بالمخلوق : 

الموجودات التي لم ندركها بالحواس ( أي الغيبية )  إما ان يكون طريق العلم بها العقل وإما الخبر ، والفرق بينهما أنّ العقل يُدرك وجودها بالاستناد إلى الأثر ؛ ومثال ذلك : علمنا بوجود الخالق مبني على افتقار المخلوقات واحتياجه إليه ، وعلمنا بغناه عن كل أحد قائم على وجود الموجودات المشاهدة ؛ إذ لو لم تنقطع السلسلة لم تُوجد ، فما علاقة هذا بالمقصود ؟
العلاقة بينة ، وهي أنّ من يفرض وجود خالقين تجاوز ما تستلزمه هذه المفعولات - من الذرة إلى المجرة - من ثبوت فاعل ( خالق) غني عن كل أحد  إلى افتراض خالق آخر معه ، والإنسان لا يفترض وجود فاعلين فأكثر لفعلٍ ما إلا إذا ظنّ عجز كل فرد بعينه عن الفعل بمفرده ، كما لو رأيت ضخرة ضخمة نُقلت من مكانٍ إلى مكانٍ ، وأنت تعلم عجز أفراد الناس عن القيام بمثلها ، ستحكم بوجود عدة فاعلين تمكنوا بمجموعهم من نقلها ، بيد أنك لا تحتاج إلى فرض أكثر من فاعل إذا كان الفعل مما يقدر عليه الواحد ، ولو فرضت أكثر من فاعل مع كون الفعل لا يستلزمه كنتَ مخالفاً لمسالك العقلاء في النظر ، وهذا تماماً ما أدّعيه في حق من يفرض وجود خالقين ؛ لأن الخالق لا يحتاج في كمال قدرته إلى غيره ، وبالتالي لا معنى لافتراض خالقين فأكثر لتفسير وجود الكون إلا في حال تسويته بالمخلوق المحتاج إلى غيره في إيجاد مراداته  !

واعلم أنك لستَ بحاجة إلى إثبات وحدانية الرب عقلاً لتثبتَ صحة دين الإسلام ؛ لأن المقدّمات التي يتوقّف عليها صدق الإسلام هي وجود الخالق وكماله وإمكان النبوة ثم الحديث عن نبوة النبي ﷺ ، فإذا ثبتت نبوته لزم الخصم الإقرار بوحدانيته وإلا عاد على ما أقر به بالإبطال - أعني الكمال الإلهي -.

فالسؤال بعد إثبات وجود خالق عليم قدير حكيم عادل ، هل تواصل مع خلقه أم لا ؟ وغاية ما سيقوله المشكِّك : لِمَ تفرض أنه واحد؟ لِمَ لا يكون أكثر من واحد ؟ 
فيُقال له : هب أنه واحد أو اثنان أو عشرة ، فالمهم أنّ الذي يصدق عليه بأنه خالق لا بد أن يكون مستغنى عن كل أحد ، وهذا يستلزم اتصافه بالكمال المطلق ، وإلا لم يكن خالقاً ؛ لأن هذا من أعظم ما يميز المخلوق عن الخالق ، فإذا عرفتَ هذا كان السؤال بعد إثبات وجوده وكماله : هل تواصل من يصدق عليه بأنه خالق مع خَلْقِه أم لا ؟ فينتقل البحث حينئذ إلى صدق أو كذب مدّعي النبوة . 

وهذا لا يعني عدم وجود دليل عقلي قاطع يثبت وحدانيته ، بل هي كثيرة جداً أسهلها عندي وأخصرها أن يُقال : لو فُرض وجود خالقين فلا بد أن يكون كل منهما غير مفتقر إلى غيره [لأن هذا كما قلت : أبرز خصائص الخالق التي بها يمتاز عن المخلوق] وإلا لزم الدور أو التسلسل الممتنعين ، فإذا تقرر هذا يأتي السؤال : هل يقدر أحدهما على مخالفة الآخر ؟ [ لاحظ أن السؤال عن قدرته بغض النظر عن تحقق ذلك في الواقع أم لا ، كما لو قلت لك : هل يقدر الخالق على إفناء العالم الآن أم لا؟ ]  فجواب السؤال إما نعم وإما لا ، أي : إما يقدر وإما لا يقدر ، وكلا الجوابين يستلزم عجز أحدهما ؛ والعجز من صفات المخلوق لا الخالق ؛ لأنه يؤذِن بالافتقار إلى الغير ، والخالق لا يفتقر  ! 
فتبين أن فرض خالقين مساوٍ في الامتناع لفرض وجود الموجودات الحادثة بلا سبب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق