حين يثقُ الربوبي بأحكامه العقلية ، فهو يُقرُ ضمناً برحمة الخالق -عزوجل – وعدله ؛ إذ لا سبيل إلى ذلك إلا بهما ، فالخالق الشرير الظالم لا يمتنع عليه خداع الإنسان ، وإيهامه بصحة ما يحتكم إليه في تقرير المطالب – بينما هي في الواقع باطلة - ، ولمّا كان الأمر كذلك إما إثبات الرحمة والعدل لتكونَ أساساً في إثبات صدق الأحكام ، أو نفيهما المستلزم سلب الثقة عنها ، وجب على الربوبي الإقرار بعدل الخالق ورحمته وإلا كانت (كل) أحكامه خاويةٌ خربة لا يستطيع البرهنةُ على صحتها .
قد يقول : ألستم تقولون أن الإنسانَ لكي يثق بأحكامه لا بد من إقراره بمبادئ عقلية ابتدأها الخالق وفطره عليها ، لولاها لم يتوصل إلى المعلومات النظرية ؟! أنا أقول بذلك !
فيُقال : نعم نعلم أنك كذلك ، لكن هل تضمن صحة تلك المبادئ في ظل التنكر لعدل الخالق -عزجل -ورحمته ؟ لا ، لا يمكنك أبداً في ظل الإيمان بربٍ شرير ظالم لا يمتنع عليه أن يخدعك! وهذا هو مفترق الطريق بيننا .
إذا علمتَ هذا فاعلم أن الربوبي – المنكر لكمال الخالق – سيتناقض قطعاً حين يفترض صدق قضيةٍ ما أو كذبها ؛ فسلسلة ما يستند إليه من الأدلة تقف عند تلك المبادئ التي لا يمكنه إثبات صدقها في ظل تصوره القبيح عمن غرسها في نفسه .
وأما الإقرار بكمال حكمته وعدله ورحمته وفضله على خلقه فكما أنه ضروري لنثق بأحكامنا العقلية، فإنه ينقض كلَّ ما يحتج به الربوبي لنفي (جنس) النبوات ؛ إذ ما بعده إلا النظر في حال مدّعي النبوة أهو صادقٌ في دعواه أم كاذب ، ولا يلتبس الصادق بالكاذب في دعوى النبوة إلا على أجهل الناس ؛ وذلك لعِظمِ التنافر بينهما !
نشرته على صفحة براهين النبوة :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق