الجمعة، 22 فبراير 2019

حواسنا يا حسيون لا تدرك كل شيء !!

  • الكاتب
    المُهَنَّد
  • تاريخ النشر
    فبراير 22, 2019
  • الأقسام



هل يشترط لكي نثبت وجود شيء أن نراه ؟
لو قال شخص : " أنا لا أصدق إلا بما يُرى ويُشاهد "
قيل له: العقل يدرك وجود الأشياء بمجرد إدراكه آثارها وإن لم تكن تلك الأشياء مما تُرى وتُحس، مما يعني أن الذي يشترطهما – أي يشترط كون الشيء مما تمكن رؤيته ومشاهدته – بعيد كل البعد عن العقل العقلانية؛ لأن ما أُدرك بالحواس كان طريق العلم بها الحواس نفسها لا العقل، واشتراط تعلقها – أي الحواس – بالموجود للحكم بوجوده تعطيل للعقل!

وهذا الذي يشكك بما لا يُدرك بالحواس يُسأل : هل حواس الإنسان بمقدورها إدراك كل الموجودات وبالتالي ما لم تدركه يصح أن تنفي وجوده، أم أنها لا تدرك كآفة الموجودات؟

إن قال بالأول فقوله في غاية البطلان؛ يوضحه لو أن شخصاً قبل مئات السنين يحمل نفس هذه الدعوى، فقيل له: هناك موجودات لا تصل إليها حواس البشر كالخلية الحية والذرة، والجسيمات تحت الذرية وغير ذلك = لكان بين أن يلتزم بلوازم ادعائه فينكر وجودها، أو يعترف بقصور حواسه عن إدراك كل موجود، وحينئذ يبطل ادعاؤه!

فإن قال المدّعي اليوم : نحن اخترعنا مجاهر فاكتشفنا كثيرًا من الموجودات التي لا ندركها بمجرد الحواس كالأمثلة المذكورة .
قيل له : قد اعترفت بأن حواسّك قاصرةٌ عن إدراك كل موجود، وهي بحاجة إلى ما يكمّلها،  فما الذي يمنع أن يكون سبب ما لا يُدرك بالحواس هو قصور الحس وحاجته إلى ما يكمّله ويقويه ؟! 

فحين تنكر ما لا يُحس وتشاهده تقع في مغالطة فجة، ألا وهي : الاحتكام إلى جهلك وقصور أدواتك المعرفية، ومعلوم عند العقلاء : أن عدم الدليل المعين لا يعني عدم المدلول، فقد يكون هناك طريق آخر لإدراك وجوده كالعقل والخبر !

وما حال  من ينكر وجود ما لم يشاهده إلا كحال من حدّثه الناس عن بلدة معينة وما فيها من القصور والدور، فأراد أن يذهب إليها، وسلك طريقاً لا يوصله إلى مراده، فلما تعذر وصوله من ذلك الطريق أنكر وجود البلدة ! 

وبعض هؤلاء يقول : أنا لا أنكر وجود ما لم أره وأشاهده، ولكن أدعي أننا غير قادرين على العلم بوجوده . 
فيُقال له : ينطبق عليك ما انطبق على من ينكر وجود ما لم تدركه حواسه، إلا أن الفرق بينك وبينه هو أنك لمّا وجدت الطريق الذي سلكته لا يوصل إلى تلك البلدة، ادّعيت عدم وجود ما يوصل إليها، من دون أن تثبت تعذر الطرق الأخرى، وحتى تثبت ذلك لا بد وأن تسلكها فيفجاؤك حينئذ وصولك !!

ولسائل أن يسأل الآن : ما وجه أهمية الكلام السابق ؟ 
فيُقال : من حيث الأصل نحن في غنية عن هذا الكلام، بمعنى أنّ العقلاء مجمعون على تعدد مصادر المعرفة؛ فالعقل والحس والخبر جميعها طرق متضافرة للعلم بالحقائق، ولا يمكن لعاقل أبداً أن يقصي أحدها، أو يدّعي إمكان تعارض مدلولاته .

ولكن لما وُجد من يقصر طريق المعرفة بالحقائق على الحس والمشاهدة، أشرت إشارة سريعة إلى ما يبين مخالفته لمسالك العقلاء، بل ومناقضته لواقعه هو ؛ فالإنسان لا بد وأن يصدّق بأشياء لا تدركه حواسه مهما كابر وعاند ! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق