الخميس، 2 نوفمبر 2017

بيانُ الإعجاز اللغوي للقرآنِ - عقلاً -

  • الكاتب
    المُهَنَّد
  • تاريخ النشر
    نوفمبر 02, 2017
  • الأقسام


النبيُّ ﷺ ادّعى النبوةَ وأتى بالقرآن ، وجعله برهاناً على صدقه وصحة دعواه ، والعاقلُ لا يدّعي دعوى عظيمة ويجعل دليلها مما يقدر عليه الناس ، إذ هذا بمثابة أن يدّعي النبوةَ وبرهانُه أنه يأكل ويشرب ويقوم ويقعد !
فتكون حقيقةُ الدعوى إضحاكُ القوم وتنفيرُهم بدل التصديق والإذعان .


وحين كذّبه بعضُ قومه -كبراً وعتواً- وقالوا : {لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}  
 
رفع رايةَ التحدي بأن يأتوا بمثل القرآن ، ثم دعاهم إلى أقلَّ من ذلك وصولاً ، إلى سورة واحدةٍ ، وأباح لهم أن يستعينوا بمن شاؤوا ، ثم استفزّهم واستثارهم بالحكم على العالم كافة : {قل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}  
 
وكما أنه لا يُعقل أن يدعي العاقلُ دعوى تميِّزُه عن غيره ويجعلُ دليلَه لا يدلُّ على دعواه ، فمن باب أولى تنزُّهُه عن التحدي بشيءٍ يقدِرون عليه كأن يقول : أتحداكم أن تأكلوا أو تشربوا !
 

هذا من حيث حال النبيِّ ﷺ ، أما من حيث حال المدعوّين ؛ ففي كل زمنٍ طالبُ حقٍّ ومعرِضٌ عنه ، والناسُ في زمن النبيِّ ﷺ ‏ليسوا مرحلةً استثنائية ، فادعاؤه للنبوةِ إما أن يُقابَل - من جهة الناس - بالتصديق أو التكذيب أو التوقف - لا تصديق ولا تكذيب - .

١- المصدِّقون بنبوّته أهلُ لغةٍ وفصاحةٍ ، رأوا الدليلَ فأيقنوا دلالته على النبوّة .

٢- المكذبون بنبوّته زعموا أنّ القرآنَ ليس بمعجزٍ ، وأنهم قادرون على الإتيان بمثْلِه ، فتحدّاهم أن يُثبتوا دعواهم : { فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين } أي : إن كنتم صادقين في دعواكم  ، فلا فرقَ بينكم وبينه في الفصاحةِ والبلاغةِ ؛ إذ كلاكما نشأ في مجتمعٍ واحدٍ ، وحيث لا فرق = أثبتوا دعواكم بالإتيان بسورةٍ واحدةٍ فقط ، وإلا فأنتم أولى بصفة الكذب التي نسبتموها إليه .
 
٣- الموقف الصحيح لمن لا يملك ما يؤهله للتفريق بين القرآن وغيره من كلام الفصحاء ، هو التوقف عن الحكم حتى يرى نتيجةَ التحدي ؛ فإن عجز مكذبو النبيِّ ﷺ فمعنى ذلك صدقُه ﷺ في دعواه ، وإن لم يعجزوا - فهو مدّعٍ  - حاشاه - لا يستحق الاتباعَ فضلاً عن الصبر والتضحية .

والمعلوم المنقول إلينا تواتراً - يفيد اليقين - أنّ أهلَ مكةَ هُجِّروا من ديارهم وسُلِبت أموالُهم بسبب إيمانهم به ، وأهلَ المدينةِ بايعوا النبيَّ     ﷺ و‏بذلوا لنصرته أموالَهم وأنفسَهم ، فاغتاظ مكذِّبوه ونصبوا لهم العِداء ، ومع ذلك صبروا وثبتوا ، ولا داعيَ للصبر والثبات إلا يقينُهم بنبوّتِه ﷺ .


وبعبارة منطقية : عجزُ المكذِّبين يستلزمُ إذعانَهم - أي المتوقفين -  للنبيِّ ﷺ ‏[ فالعجز ( ملزوم )  وتصديق أهل زمانه ( لازمه ) وحيث وُجد اللازم وُجد الملزوم ]

ومما يؤكدُ دلالةَ الاتّباع على نبوّته الثابتة بإعجاز القرآن وغيره ، أنّ كلَّ من صدّق بنبوته مطالَبٌ بإقامةِ العباداتِ الدائمةِ كالصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وترك العادات المنافية للإسلام .

الخلاصة :
المصدِّقُ بنبوّتِه - في زمانه - إما عالمٌ باللغة يملك الآلةَ التي بها يعرفُ ويميِّزُ الكلامَ المعجزَ عن غيره ، وإما فاقدٌ لها رأى عجزَ المكذبين فآمن ، وكلاهما حجةٌ على مَن بعدَهم .


[ نشرتُه في صفحة براهين النبوة ]. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق