جرتْ سنةُ الله جلَّ جلاله في النبوات أن يزوِّدَ النبيَّ بآيةٍ تكون دليلَ صدقه، وذلك لأنّ النبيَّ لا يتميّزُ عن البشر بشيء في خِلْقته ؛ ليتمكنَ أتباعُه من الأخذ منه ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَي ﴾ والتأسي به ﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ إذ هو النموذج التطبيقي لما يريده الله من خلقه .
ومعجزة رسول الله ﷺ العظمى كانت ( القرآن الكريم ) وهي من جنس ما اشتهر به العرب يومئذٍ ، حيث بلغت الفصاحة والبلاغة شأواً بعيداً عند القوم ، فربما ارتفعت مكانة القبيلة ببيت من الشعر ، وربما نزلت إلى الحضيض بسبب قصيدة هجاهم فيها شاعرٌ من الشعراء.
ولما طالبوا رسول الله ﷺ بالمعجزات المادية ، أشار القرآنُ الكريم إلى أنّ المعجزة التي بين أيديهم كافية إن أرادوا الوصول إلى الحقيقة: ﴿ وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾
فالله - عزوجل - ردَّ طلبَهم لأنهم يعلمون أنّ هذا القرآن مصدرُه إلهي ، مايعني أن طلبَهم تعنُّتي ، إنْ أعطاهم الثانيةَ طلبوا الثالثةَ ، وإنْ أعطاهم الثالثةَ طلبوا الرابعةَ وهكذا ..!
وكيف لايكونُ كذلك وهم الذين قالوا لمّا دعاهم النبيُّ ﷺ :
﴿ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾
إذ لو كانوا طلابَ حقٍّ دعوا الله بالهداية والرشاد لا بالزلزلة والعذاب! ثم كيف لهم أن يتيقَّنوا من حقيقة ما دعاهم إليه بعد هلاكِهِم وانعدامِهِم !؟
فهم بين أمرين : إما طلبُ آياتٍ بأعيانها يقترحونها ، والله لا يجاري المتعنّت الكذّاب لوجود جنس المطلوب ، وإما أن يستعجلوا العذابَ لكن الله يعذِّبُهم (متى) شاء ﴿ وسيعلمُ الذينَ ظلموا أيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُون ﴾
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق